فلتعلم مسبقا أنك أمام عمل ليس الغرض منه استقاء معنى ما، بل بالأحرى خوض تجربة قرائية مختلفة حيث يصبح المنطق خارج الحدود. وما يميز هذا الكتاب عن بقية الكتب هو دمجه للثقافتين الشرقية و الغربية دون إهمال توظيف الطبيعة و رمزيتها ..
نتتبع تورو أوكادا في بحثه عن قطه المفقود قبل أن نجد ذواتنا تتبع بدورها الثيمات التي يطرحها هذا العمل القيم، فتارة نبحث عن معنى الهوية و كيف تكون رؤية ذواتنا المتعددة في الآخرين، و مدى تقبلنا لظهور البقعة العمياء. وتارة أخرى عن مدى اختلاف أنواع الألم في تجربة الفرد وفتحها لباب الروح.
كما ترسم الرواية بحرفية عالية التداخل الدقيق بين الظاهر والباطن، وانتظام دوران الزنبرك والتشظي، والنزاهة والزيف.
و هي رغم سرياليتها لا تغفل تناولها لثيمة الواقع حيث الزمكان يكون في عوالم متوازية ما بين عالمي الوعي و اللاوعي، و ما بين ماضي الحرب العالمية الثانية و حاضر أحداث الشخصيات حتى تصير الحدود مبهمة بين الواقع و الحلم، فيمحو عنا الكاتب وهم البدايات و تسلسل الأحداث. كذلك نرى كيف تتوازى قيمة العزلة المتمثلة في الشخصية الوجودية و قيمة حب الآخرين و تقبلهم على اختلافهم.
تتمحور الرواية فلسفيا في فلك مفردة يابانية حيث يدرك واكادا الخلل في جوهرنا الخفي (Nanika) من خلال العلامة الزرقاء على خده، لتوحي لنا هذه الكلمة أن المشاكل في صميمها داخلية الأصل، مذكرة إيانا على لسان السيد هوندا بضرورة اتخاذ فلسفة السكون الشرقية (Stillness) حين ينعدم السريان في حياتنا لأن مقاومة العائق بالقوة لا يأتي بغير الجفاف، و في هذا عزاء كبير، فالزمن على طوله قد لا يشفينا من ذكرى شخص تقف حجرا عائقا أمام تيار الحياة.