مشياً على الأقدام، أو زحفاً على الأيدي نعود، قالوا… وكان الصخر يضمر، والمساء يدا تقود، لم يعرفوا ان الطريق إلى الطريق دم، ومصيدة، وبيد كل القوافل قبلهم غاصت، وكان النهر يبصق ضفتيه، قطعاً من اللحم المفتت، في وجوه العائدين، كانوا ثلاثة عائدين، شيخ، وإبنته، وجندي قديم، يقفون عند الجسر… كان الجسر نعساناً، وكان الليل قبعة، وبعد دقائق يصلون، هل في البيت ماء؟ وتحسس المفتاح ثم تلا من القرآن آية، قال الشيخ منتعشاً: وكم من منزل في الأرض يألفه الفتى، قالت: ولكن المنازل يا أبي أطلال، فأجاب: تبنيها يدان... ولم يتم حديثه، إذ صاح صوت في الطريق.. تعالوا، وتلته طقطقة البنادق، لن يمر العائدون، حرس الحدود مرابط، يحمي الحدود من الحنين.
عندما تهاجر أسراب السنونو مواطنها… تسمع في حفيف أجنحتها صوت موسيقى شعره… وعندما تقرأ محمود درويش… تسمع في سطوره… في معانيه أناشيد تلك الطيور المهاجرة… فتدرك أن تلك الطيور لم تكن تغني لتطرب… بل لتبوح بلوعة الحنين… ولتبكي مأساة الهجرة… ومحمود درويش لا ينظم شعراً… بل من معانيه تتناهي قصائد… فتتهادى الكلمات… تشد بعضها بعضاً… في تلقائية فطرية… ينغمس فيها الإحساس… تتماهى فيه ومعه… وترحل بعيداً في عالم قصائده… وتحس بكل لوعات التشرد وما معنى أن يكون الإنسان بلا وطن… “وماذا جَنَيْنا يا أمّاه حتى نموت مرتين… هل تعلمين ما الذي يملأني بكاءً؟… هَبي مرضت ليلةً… وهَدَّ جِسْمِي الداء… هل يذكر المساء مهاجراً أتى هنا… ولم يعد إلى الوطن؟ هل يذكر المساء… مهاجراً مات بلا كفن…”