تبيّن للدكتور يوسف القرضاوي من خلال تجربته العملية، والممارسة الميدانية، مع عوام الناس ومع مثقفيهم، ومع الغافلين منهم، ومع العاملين في الجماعات الإسلامية المختلفة، وأن الجميع أفقر ما يكونون إلى تربية إيمانية صادقة، تغسل قلوبهم من حبّ الدنيا، ومن حبّ أنفسهم، وتأخذ بأيديهم إلى الله تبارك وتعالى، وبعبارة أخرى هم بحاجة إلى “التزكية” للنفوس، وهذه لا سبيل إليها إلا بالحياة الربانية النقية التي ترفعهم في حضيض عِبَاد الشيطان، إلى ذُرا عباد الرحمن، إنهم في حاجة إلى الصدق مع الحق والخُلق مع الخَلْق، وهذا ما لخص التصوف، أو هو تقوى الله والإحسان إلى خلقه، وهذا هو الدين كله.
دوّن القرضاوي هذا الكتاب والذي هو الأول من سلسلة “في الطريق إلى الله” وفيه يحدثهم عن الحياة الربانية والعلم وهدفه أولاً ردّ التصوف إلى جذوره الإسلامية، مستنداً إلى محكمات القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة. وثانياً: أن ينقي التصوف الحق مما علق به من شوائب كدرت صفاءه، وشابت جوهره، مما تأثر به من مصادر أجنبية غريبة عن طبيعة الإسلام ووسطيته.
لا تزال الإشكالية قائمة بين العبادة كأرقى علاقة بين المخلوق والخالق، والعلم كوسيلة للتعامل مع المحيط المادي الذي وجد فيه الإنسان، وقد عمل أولئك الذين يحاولون تغييب الجانب الأول وإلغاء أهميته في إدارة الحياة على توسيع الهوة.
فشمولية العبادة واتساع عمل العلوم وتعدد وسائلها ونتائجها وعدم وجود حدود فاصلة بينها يجعل العلاقة شديدة التوتر فيستدعي ذلك وجوب هيمنة أحدهما على الآخر.
فهل باستطاعة الدين حل جميع مشاكل الحياة أم أنه مجرد وعظ وإرشاد لا تتسع آفاقه لغير ذلك؟