يضم الكتاب رسالة نادرة للإمام أبي حامد الغزالي الذي يرجع الفضل في كشفها إلى المستشرق الفرنسي لوي ماسنيون. إذ أنه اهتدى إلى نسختين خطيتين منها في مكتبة آيا صوفيا في القسطنطينية، ثم كتب وصفاً لهما مزوداً بمقتطفات منها، نشره في الجزء الرابع من مجلة الدراسات الإسلامية في باريس سنة 1932م. وبذلك لفت أنظار دوائر الإستشراق والأوساط العلمية إلى وجود هذه الرسالة التي تكشف عن ناحية كانت لا تزال مجهولة في تفكير الغزالي وكتاباته الجدلية. ثم نهض بعد ذلك الأب روبير شدياق اليسوعي بتوجيه من أستاذه ماسينيون بتحقيق النص العربي لهذه الرسالة بمقابلتها على نسختيها الخطيتين، بعد أنه اهتدى بدوره على نسخة خطية ثالثة كانت مدرجة في فهرست مكتبة جامعة ليدن بهولنده على أنها مجهولة المؤلف، فاستكمل تحقيقه للنص بمقابلتها عليها، ثم ترجمه إلى الفرنسية، وقدم له بمقدمات ضافية تلقي كثيراً من الضوء على مضمون الرسالة وظروف تأليفها،
علاوة على ثبت ضخم بالمراجع التي رجع إليها ومعجم بالألفاظ الإصطلاحية ونشر مجموع ذلك في باريس سنة 1939م. والأب بعمله هذا ورغم كونه راهباً يسوعياً قد أظهر اهتماماً بعنايته في إحياء أثر عربي من آثار الأدب الجدي والدفاعي عن الإسلام يتضمن رداً على عقيدته، أي عقيدة الأب شدياق، وبالتالي فإن دار منشورات أسمار تقوم وفي سلسلة الإسلام من منظور آخر تعمد إلى إعادة نشر هذا الكتاب للقراء في العالم العربي، لا لبعث مجادلات دينية لا طائل تحتها إزاء مشكلات العصر الحديث؛ وإنما لتتبع إحدى نواحي التفكير الديني في الثقافة العربية التي لم تبتعد عمّا دعا إليه الإسلام من توكيد مبدأ التسامح وتوثيق مشاعر الألفة بين المسلمين والمسيحيين، ورغبة في إفادة القراء العرب ثم إغناء هذه الرسالة بترجمة لمقدمات الأب شدياق التي صدّر بها تحقيقه للرسالة، وتبذييل كلٍّ من النص والمقدمات باليسير في الشروحات والتعليقات.