«اذْكُرْني فِي صَلاتِكَ وسَأَذكُرُكَ فِي صَلَاتي.» رِسالةٌ هَذا مُؤَدَّاها، يَتلَقَّاها كاهِنٌ مِن رَجُلٍ يَبغُضُ الكَهَنةَ ورِجالَ الكَهَنُوت؛ رَجُلٍ مِهْنتُه الخاصَّةُ هِي غَيرُ الفِلاحةِ والزِّرَاعة، هُوَ مِن تِلكَ الطَّبَقةِ الَّتي يَحْتقِرُها النَّاس، بالرَّغْمِ مِن أنَّ البِلادَ لا تَستغنِي عَنْها؛ هُوَ أَحدُ المُكَارِينَ الَّذِينَ يَقضُونَ فِي الفَلاةِ مُعْظمَ أَوْقاتِهم، وفِي خِدْمةِ اللبنانيِّينَ يَجِدُّونَ وَراءَ البِغَال. أَحدَثَتْ تِلكَ الرِّسالةُ فِي نَفْسِ الكاهِنِ زِلْزالًا، وأَضْرمَتْ فِي عَقْلِه نِيرانَ الصِّراع، وحوَّلَتْه مِن خادِمٍ لِلأكليروس إِلى خادِمٍ لِلإِنْسان. فِي هذِهِ الرِّوايةِ القَصِيرةِ يُعالِجُ «أمين الريحاني» فِي إِطارٍ سَرْديٍّ دِرامِيٍّ وَضْعًا مِنَ الأَوْضاعِ الاجْتِماعيَّةِ الَّتِي سادَتْ بَعْضَ البَلْداتِ الشَّاميَّةِ فِي مَطْلعِ القَرْنِ العِشْرِين، حَيثُ يَنغلِقُ الجَبلُ عَلى نَفْسِه مِن جِهة، ومِن جِهةٍ أُخْرى يَنقسِمُ عَلى نفْسِه إِلى كَهَنةٍ يَدَّعُونَ الفَضِيلةَ وخِدْمةَ الرَّبِّ والرَّعِيَّة، وعامَّةٍ مِنَ الفُقَراءِ يَزدادُونَ فَقْرًا، وأَفْقرُهم المُكَارُونَ الَّذِينَ هُم بالإِضَافةِ إِلى فَقْرِهم مَحَلُّ احْتِقار. أمَّا المُكَارِي بَطلُ رِوايَتِنا فَلَه شَأْنٌ آخَر، فهُوَ وإِنْ كانَ فَقِيرًا حَقِيرًا إلَّا أنَّ لَه وَعْيًا مُغايِرًا، نَتعرَّفُ عَلَيْه بَينَ دَفَّتَيِ الكِتاب، ونَعرِفُ كَيفَ سيَخترِقُ بوَعْيِه وَعْيَ كاهِنِ قَرْيتِه.