الكتاب مجموعةٌ متفرّقة من المقالات عن مدينة بغداد وحياة علي الطنطاوي فيها، فبعضها كتبها أثناء إقامته فيها وبعضها بعد أن فارقها بزمنٍ طويل يصلُ نحو خمسين عاماً. لكلّ مقالة موضوع فيبدأ الكتاب بسرد عن تاريخ المدينة وما حولها من آثار، وخصوصاً سامرَّاء، ثُمَّ يتحول نحو حياة علي الطنطاوي في بغداد وما عاشهُ من حوادث مثل مسيرة الفتوة ووفاة الملك غازي وطوفان نهر دجلة. الأسلوب أقربُ للخواطر والاستطراد، فهو يصفُ في معظم المقالات حادثاً أو واقعةً أو تجربةً مرَّ بها ثُمَّ ينتقل منها لعبرٍ شتّى عن الحاضر، كثيرٌ منها فيه أملٌ وتفاؤلٌ بالنهضة العربية والإسلامية وما رآهُ لها من بوادر في بغداد وقتذاك، ولفت نظري تركيزه على فكرة القتال والرجولة وحمل السلاح كطريق للنهضة، وهي فكرة لا أتفق معها.
لاحظتُ في المقالات استشهاداً كثيراً بالأقوال التاريخية المبالغ بها من المؤرخين، مثل أن بغداد كان فيها أيام العباسيين “ستون ألف حمام” و”ثلاثمائة ألف مسجد”، وقد عاد علي الطنطاوي فأضاف لبعض هذه المقالات حاشياتٍ بيَّن فيها أنه أدرك عدم دقة هذه الأرقام، بينما ترك بعضها على حالها. كما يذكر الكتاب الكثير من الحوادث التي وكأنَّها بديهيات رغم أنها غريبةٌ عنا الآن، فيتحدَّثُ عن أشخاصٍ وأحداثٍ كأنها معروفة ومحورية في التاريخ ولو أن الكثير من القُرَّاء اليوم يجهلونها، وتواريخ معظم المقالات بين سنتي 1936 إلى 1956. الكتاب بالمجمل كنزٌ تراثيٌّ ومليءٌ بتجارب من بغداد تكادُ لا تمتّ بصلةٍ لبغداد اليوم.