في مجتمعات أخرى فإن المساحة بين الرجل والوطن بعيدة ، وبين الدولة وإدارة الحكم ظاهرة . وعلى سبيل المثال ففي بريطانيا – الملكية الإمبراطورية – جرى خلع ملك عن العرش لأنه أخطأ في اختيار شريكة حياته ( وتلك هي قصة ” إدوارد الثامن ” مع ” واليس سمبسون ” سنة 1937 ) . وعلى سبيل المثال أيضا ففي الولايات المتحدة – الجمهورية الرئاسية – جرى عزل وإخراج رئيس البيت الأبيض لأنه أخفى عن الرأي العام تصرفات مخالفة لروح القانون ( وتلك هي قصة ” ريتشارد نيكسون ” فيما عرف باسم قضية ” ووترجيت ” سنة 1974 ) .
لكنه في المجتمعات الشرقية تتلاشى المسافات وتغيب الحدود ، وهكذا فإن أي اختلاف في الرأي يجري تصويره خروجا على الوطن ، إن أي اجتهاد إنساني يمكن تحويله عصيانا ضد الدولة . وللإنصاف فإن ذلك من بقايا موروث قديم صنعه فهم مغلوط للجانب السياسي في التاريخ الإسلامي ؛ حيث وقع الالتباس في تأصيل نظام الخلافة ، ومن ذلك السبب نسبت نظم يعلم الله جورها ظلما إلى خلافة رسول الله ، وأعقب ذلك إفراط في تسخير الدين لخدمة الدنيا كما وقع بالتجاوز في استعمال آيات من القرآن الكريم ذاته مثل ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) مع الضغط على الكلمات الثلاثة الأخيرة . وبصرف النظر عن الموروث فالذي حدث – ويحدث حتى الآن – على عتبة القرن الواحد والعشرين ، أن السياسة العربية المعاصرة تقع كثيرا في محظور اختزال الوطن في رجل ، واختزال الدولة في قرار يأمر به . ننسى أحيانا أن ” الرجل ” يمكن أن يكون في لحظة من اللحظات صورة إنسانية لوطن ، لكن الوطن لا يستطيع أن يتحول إلى صورة شخصية لرجل