نظر له صاحب العباءة من خلف قناعه المخيف، ثم شرع يضع المزيد من الأثقال في الجانب الآخر بتريثٍ وهدوء كيلو تلو الآخر، حتى اشتد الحبل بلا أدنى ارتخاء، حتى غدا كخطٍ هندسي مستقيم، وبدأ جسد “ساهر” في الارتفاع لتفارق قدماه الأرض، مقاومًا قوة الجاذبية بقوة الأثقال الرافعة في عملية فيزيائية محكمة ومتقنة، وكلما صرخ اشتد الحبل مطوِّقًا عنقه، وضاغطًا حلقه، حتى ليكاد يسحق حلقومه ؛ليتمنى لحظتها أن تخرج روحه ـ سريعًا ـ وتمر من هذا الضيق الخانق، فلا تكاد تجد لها منفسًا تخرج منه!! تبسم صاحب العباءة من وراء قناعه وهو يضع ريشة بيضاء قبل هذا الوزن الأخير، ليرتفع “ساهر” عن الأرض وما انفكت قدماه تتخبطان يمنة ويسرة، كغريق يحاول ـ بلا فائدة ـ النجاة وهو لا يحسن السباحة، ويتحرك معه صاحب العباءة برأسه ـ سآخرا ـ يمينًا ويسارًا، وهو يدندن ذاك الإيقاع المخيف مستمتعًا بلحظات قصيرة مرت على “ساهر” كالدهور، شاهد فيها شريط حياته كاملًا، ليتأكد أنه لم يُظْلَمْ قط، بل نال كل الوقت الكافي له في الدنيا، ليستسلم وهو يلمح نفسه في انعكاس أعين القاتل، وقد دونت تلك اللحظة المجيدة!
تلك اللحظة التي ظلت داخل أعين “حلمي مهران” الآن وهو داخل بيته في مكان آخر بعيد كل البعد عن الأحداث، إلا أن صورة “ساهر الصريطي” ظهرت منعكسة داخل أعين الآن وهو جالس على مقعده الوحيد بمنزله النائي، فيظل هو يفحص تلك الرؤيا ويطالع تفاصيلها في عينيه كالممسوس، ممتنعًا عن الحركة وهو يشاهد ما حدث في قصر “الصريطي”.