إنني أعمل في تحرير الصحف من خمسين سنة، وكنت أكتب لها متطوعاً قبل ذلك بسنوات قليلة.. وأزيد القارئ فأقول: إنني منذ بلغت سن الطفولة وفهمت شيئاً يسمى المستقبل لم أعرف لى أملاً في الحياة غير صناعة القلم، ولم تكن أمامي صورة لصناعة القلم فى أول الأمر غير صناعة الصحافة.
ولكنني مع هذا أسأل نفسي الآن كما سألتها من قبل: لماذا اخترت هذه الصناعة دون غيرها فى طفولتي، وجعلتها أملاً من أمال الحياة الكبرى.. بل أمل الحياة الأكبر؟ فلا أدري باعث هذا الاختيار على سبيل التحقيق، ولا أستغنى فيه عن التخمين أو التخمين الكثير، بعد المقارنة بين ذكريات الطفولة وملابساتها وبعد الترجيح من هنا والشك من هناك، كما يفعل الباحث في السير والتراجم حين يعمد إلى التخمين عن حياة الآخرين.
وأكثر من هذا إنني “أضبط” نفسي وهى تروغ مني وتحاول أن تقنعني بوجهة غير الوجهة التى تعنيها أو تعنيني، ثم نتلاقى مبتسمين، أكاد أسألها: أأنت هنا؟ وتكاد تسألني: وها أنت يا صاح؟.. ثم لا نلبث أن نعلم أننا لم يفهم بعضنا بعضاً من الكلمة الأولى، وأننا نحتاج بعدها إلى كلمة أو كلمات نثوب بعدها إلى التفاهم والاتفاق