لعلَّ الكروانَ هديَّةُ مصرَ للشاعر، أو لعلَّه الديوانُ هو هديَّةُ الشاعر للكروان، لكنَّ ما لا شكَّ فيه أنَّ الناهلين من عذوبة تلك القصائد المزقزقة هم أصحاب الحظِّ الأوفر والمغنم الأكبر. وقد ألهم الكروان في تغريده الشَّجيِّ الشاعرَ موسيقى ربيعيَّة منطلقة، ولغة مشتركة تجمع بين عالمَي الطيور والشعراء، فأتت كروانيَّات «العقَّاد» نضرة جديدة المعاني متجدِّدتها، وضمَّن ديوانه كذلك قصائد في الغزل الرقيق، منها: قبل بغير تقبيل، يوم يبحث عن ذكراه، شكوك العاشق، الخرافة الصادقة، الحياء في الحب، كما ذهب في تأمُّلاته إلى استكشافات شاعريَّة لسرِّ الوجود، وسرِّ السعادة التي ما إن أدرك محدوديَّتها واستعصاءها حتى انتقل إلى هجاء الدَّهر ومعاونه الموت الذي غيَّب الرفاق، حتى لم يعُد من عزاءٍ سوى صوت الكروان ربما، وهديَّته.