إذا ما كانت سماء الشعر العربي الحديث قد سطعت بكثير من النجوم, فإن مأثرة محمد الماغوط تكمن في كونه ضوء الانفجار الكبير الذي سبق في ظهوره كل تلك النجوم. يقرع الماغوط ناقوس الشعر على طريقة راهب حزين, يفرغ على صنجاته كل اشتهاءاته, ثم يترك حباله تسترخي بانتظار حزن جديد…
لقد أفاقت عبقرية الماغوط على أهازيج الأحلام الطوباوية, والتعلل بالسرابات البراقة والاتكاء على أوهام خادعة, قذفت بالإنسان العربي خارج أرصفة التاريخ, لذا فقد جاء شعره شاهداً على زمانه, وناقماً على كل ما يحيط به من مغبات الخيبات, ومهاوي الانحطاط, بهذياناته, وبجنونه, بأححلام يقظته وتنبؤاته التي كشفت بعد أعوام أنها كانت البرق الذي ينذر بالمطر.
يمتاز أسلوب الماغوط بالتركيز والتكثيف و إبداع عفوي يفوق حدود النقد, ويعتمد لغة الصورة, وقد استطاع أن يترجم حلمه بأن يكون بمقدور كل إنسان أن يفهم ويحس ويتذوق الشعر, خاصة إذا ما تنسم فيه عبير الحرية والحب والخير والعدالة والسلام.