نظرَ بعين المؤرخ إلى يثرب، فرأى فيها أربع قوى تمثل عناصر سكانها حينذاك، الأوس والخزرج وقضاعة ويهود، وتنازع السيادة منهم الأوس والخزرج، وكانا يتعايشان كقبيلتيْن متجاورتين مستقلتين الواحدة عن الأخرى، ورأى النزاع يشبّ بينهما وتكثر الحروب والوقائع ولأسباب عدة لتنازع مناطق السيادة في الداخل مرّة، وللسيطرة على مصادر المياه والواحات الواقعة خارج منازل القبائل مرّة ثانية؛ وحوّل نظره فرأى طريق التجارة يمرّ من حواليها ولا يكاد يصيب يثرب من ذلك شيء، لأن الطبيعة حاصرتها بمرتفعات وعرة وطرق غير ممهدة ورمال سائلة تغوص فيها الركبان ولا يسهل على القوافل قطعها، وطباع أهلها المتنافرة سدّت طرق التواصل الأخرى مع قوافل التجارة، بينما مكّة في ذات الوقت كانت بفضل حسن استغلالها لطريق التجارة من أزهر مدن الدنيا وأغناها خلال القرن السادس الميلادي، وهو القرن الذي سبق مجيء الإسلام