الفاتحة عماد الصلاة والمدخل الأساسي للقرآن الكريم.. بكل كلمة منها يستنتج الكاتب فتحًا جديدًا في المعاني والأفكار متوقفـًا عند كل آية بل كل كلمة منها فالبسملة هي تلك العبارة التي قالها نوح عندما حرك دفة سفينته معلنًا ولادة عالم جديد فبها كان المجرى وبها كان المرسى.. جملة نعلن بها مشروعنا في الحياة ووظيفتنا في الأرض وهوية مَن وظَّفنا، فنقرر أن نعمل باسمه على الدوام، ثم يأتي الحمد فيبين الكاتب متى يكون الحمد دواء مسكنا للألم، ومتى يكون مهاجما لمصدر الألم.. كيف يكون الحمد إصرارًا على الإيجابية وسبيلا إلى التغيير.. وما هو جوهر الحمد.. أما عندما يعرفنا الله تعالى بنفسه فهذا يضعنا أمام صفاته تعالى فهو رب العالمين، وهو الرحمن الرحيم، وهو مالك يوم الدين، وفي كل منها معان يستنبطها الكاتب على نحو جديد مختلف من شأنها أن تزيد وعينا بذواتنا وحياتنا وصولاً إلى صلة أعمق بمولانا وخالقنا، أما اقتصار عبادتنا له “إياك نعبد” فهذا يفتح أمامنا معاني العبودية المختلفة لنتيقن أننا عندما لا نعبد سواه فإنما ذلك يحقق لنا الحرية الوحيدة الممكنة إنها الحرية الحقيقية.. وعندما نقصر استعانتنا عليه “وإباك نستعين” فإن ذلك يجسد حقيقة موقعنا وموقع الأشياء منا في هذه الحياة، ثم ماذا وراء طلبنا الهداية؟ وهل للهداية شروط؟ وهل لها موانع وما هي دائرة الهداية؟ ثم ما هي حكاية “الذين أنعمتَ عليهم” وهل انتهت حكايتهم أم لا؟ وما الذي جرى مع المغضوب عليهم؟ وما حقيقة الضلال؟ وقفات مضيئة تبين لنا كيف أن الفاتحة تضع أمام عيوننا عدسة مكبرة نرى من خلالها العالم كي ندخله ونقتحمه ونعيد بناءه، وعندها نفهم الحكمة الكامنة وراء نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنا عن إغماض عيوننا أثناء الصلاة..ـ
عن سورة الفاتحة عماد الصلاة يتمحور الجزء الثالث من سلسلة كيمياء الصلاة، وحين ( تتحول الفاتحة من شاهد على الحياة إلى مجرد أحرف مكتوبة على شواهد القبور) فلا غرابة أن يستمر التخلف عن ركب النهضة