ما تاريخنا الفكري الحديث والمعاصر. إلا سلسلة من جهود بذلت للمطالبة بالحريات المختلفة. كما وكيفا. فكلما تحقق للناس جانب من جوانب الحرية. أو تحققق لهم نوع من أنواعها. بقدر قليل أو بقدر أكثر من القليل. طالب قادة الفكر بجانب آخر. أو بنوع آخر، وبقدر أكبر مما قد ظفر به المواطنون.
وقد نجد منا اليوم من يتوهم. بأنه لم يعد في الإمكان أحسن مما كان لكننا في الحقيقة مازال يعوزنا من “الحوريات” شئ كثير، وفي هذا الكتاب محاولات -أردنا بها أن نبين -من زوايا مختلفة- بعض ما ينقصنا في سبيل حياة حرة بمعناها الأكمل. وأن نوضح بشتى الصور كيف نحيا حياتنا إذا أردنا اكتساب الجانب المفقود.
وبعد أن فرغنا من الحديث عن الحريات. أوردنا في الكتاب قسماً ثانيا. خصصناه لضرب آخر من “القيم”. ليس منقطع الصلة بموضوع “الحرية”. وأعني بها إحساس الفرد الواحد بوجود “الآخرين”. إذ لا يكفي أن يعيش الفرد. حرا. بالمعاني الكثيرة التي وردت في القسم الأول. بل لابد له أن يعي وعيا كاملاً بأن ثمة “آخرين” لهم حقوق كحقوقه. وإنما نقول ذلك. لأن مانراه اليوم في حياتنا، يوحى بأن كل فرد يسعى إلى تحقيق أهدافه حتى لو داس بقدميه على رءوس مواطنيه، على أن إحساس المواطن الفرد بمن يعايشونه في وطن واحد، إنما هو “قيمة” اجتماعية عرفناها بكل قوتها في تاريخنا، والمطلوب هو عودة الضال إلى طريق آبائه، وليس من شك في أن الأصيل عائد إلى أصله، كما يكون للشمس شروق جديد بعد كل غروب