معظم الناس يتحركون ضمن دائرة مثالية بين بيتهم وعمله. يعيشون فى أرضٍ مسالمِة فيما وراء الخير والشر. تُفزعهم بصدق رؤيةُ رجلٍ يَقتل. لكن يكفي، فى الوقت نفسه، إخراجهم من تلك الأرض الهادئة ويصبحون قَتَلة دون أن يعرفوا كيف. هناك اختبارات وإغراءات لا تخضع لها الإنسانية إلاَ بفواصل متباعدة من التاريخ. ولا أحد يصمد أمامها. لكن الكلام عنها عبث تماما.
أخذ يحك ظهر الكلب ويفكر بالمشهد الذي رآه بأم عينه منذ قليل. بالنسبة له لقد اختلط ألئك العجائز المسلحون بالعصي، بحراس السجن، بقضاة التحقيق والمخبرين الذين يترقبون ليعرفوا إذا كان الجار سيتكلم بالسياسة أثناء قيامه بالتسوق. ما الذي يدفع هؤلاء الناس للقيام بنشاطهم المشؤوم؟ حب الأذى؟ بالتأكيد، ولكن أيضاً الرغبة بالنظام. لأن الرغبة بالنظام تريد تحويل العالم الإنساني الى مملكة غير عضوية، كل شيء فيها يسير وفق إرادة لا شخصية، يعمل في ضوئها كل شيء، ويخضع لها كل شيء. الرغبة بالنظام هي في الوقت ذاته رغبة بالموت، لأن الحياة خرق دائم للنظام. أو بالعكس، الرغبة بالنظام هي الحجة الفاضلة التي يبرر كره الإنسان للإنسان إساءاته عن طريقها.
لطالما استفظع جاكوب فكرة أن الذين يتفرجون سيكونون مستعدين لتثبيت الضحية أثناء إعدامها. لأن الجلاد أصبح مع الوقت شخصية قريبة وأليفة، أما المضطَهَد ففيه شيء تفوح منه رائحة الأرستقراطية العفنة. أصبحت روح الجمهور التي كانت في السابق تتماثل مع بؤس المضطَهَدين تتماثل اليوم مع بؤس المضطَهِدين. لأن مطاردة الإنسان باتت في قرننا تعني مطاردة أصحاب الامتيازات: أؤلئك الذين يقرؤون كتاباً أو يملكون كلباً.
تحميل رواية فالس الوداع باللغة الإنجليزية صيغة epub مجاناً