من منّا لمن يكن يتحرق شوقًا لقراءة تلك التحفة الروائية الخالدة في سماء الأدب العالمي على مرّ السنوات؟ تلك الرواية وغيرها من الروايات الكلاسيكية الضخمة تقف عند قرائتها مرتبكًا خوف من مسألتين؛ الأولى عدد المجلدات الضخم الذي تحتوي عليه الرواية والثانية ترجمة الرواية التي قد تفشل في استبدال اللغة الكلاسيكية العتيقة بأخرى يمكن للقارئ في عصرنا عذا من هضمها بسهولة ويسر.
لكنك في اللحظة التي تقع فيها يدك على طبعة تشمل هذه المجلدات الضخمة في عدد صفحات معقول دون تطويل ممل أو اختصار مخلّ فإنك تبدأ القراءة بشغف ورهبة وحماس، وهو ما حدث معيّ بالفعل.
تدور أحداث الرواية حول “ادموند دانتس” بطل الرواية، الشاب البسيط الذي لا يرغب في أي شيء في الحياة سوى أن يكون بصحبة والده وحبيبته “مرسيدس”، أن ينجح في عمله ويساعد والده ويتزوج حبيبته وأن تستمر حياته في هدوء واستقرار وسلام، وهنا يأتي “الكسندر دوما” بإحدى أشهر كليشيهات الدراما الروائية والتليفزيونية وهي صفعة الحياة التي تهوى قوية على وجه الفتي البسيط وتقلب حياته بأكملها رأسًا على عقب، على الرغم أنني هنا كنت اسأل نفسي هل كانت هذه الحبكة كليشيه مشهور في هذا الزمن أم أنها أصبحت كذلك فيما بعد؟ لن يمنحك “إلكسندر دوما” كثير من الوقت للتفكير لأن ما يحدث بعد ذلك في الرواية هو سيل جارف من الشخصيات والأحداث والمشاعر التي ستنغمس معاها وتتعلق بها، كنت أثنلء القراءة أشعر بالشفقة على أولئك القراء الذي كانوا ينتظرون بقية أحداث ذلك العمل الشيق الذي كان يُنشر على هيئة حلقات متتابعة.
كان القسم الأول من الرواية الذي يشمل فترة سجن “دانتس” وتعرضه للظلم والقهر والوحدة هو أكثر الأجزاء حزنًا، من قرأ “ذكريات من منزل الأموات” للأديب الروسي “دوستويفسكي” يعرف حق المعرفة الرعب والسوء النفسي الذي يشعر به السجين، فكيف يصبح حال ذلك السجين عندما يكون مظلوم لا يعلم سبب سجنه ولا يستطيع الدفاع عن نفسه بأية صورة ممكنة؟ كنت أتخيل نفسي في مكان “دانتس” ولم أجد جملة أصف بها شعوري إذا كنت مكانه حقًا سوى أنه صراخ بلا صوت، ليس صراخ لا يمكن لأحد أن يسمعه بل صراخ لا تتمكن أنت نفسك من سماعه، هل تدرك كم اليأس واللاجدوى المختبئة في ذلك الشعور؟
في بقية أقسام الرواية يبدأ طابعها في الاختلاف، يتحول القهر إلى غضب واليأس إلى رغبة عارمة في الانتقام، وترى كيف يتحول المسكين “إدموند دانتس” الذي تشفق عليه إلى “الكونت دي مونت كريستو” ذو السلطة والمال والنفوذ الذي تشفق على كل من يقابله، تزداد شخصيات الرواية وتتشعب، تتعلق بمصير كل الشخصيات حتى الشريرة منها، تتبعهم عبر الزمن من الشباب إلى الكهولة وتتبع كذلك مصير الجيل الثاني من عائلاتهم، وتتبع الجزء الأكثر متعة في الرواية وهو رؤيتك كيف ينفذ الكونت انتقامه، وربما أكثر ما أثار اعجابي في هذه الرواية هو أنك ترى كيف أن الأشرار يدمرهم الشر الكامن في نفوسهم ومن حولهم دون أن يترك مساحة كبيرة للانتقام كي يلعب لعبته، كان لذلك أيضًا تأثيره في أن يجعل اعجابي وتعاطفي مع “ادموند دانتس” يستمر حتى النهاية دون أن ينتقم الانتقام الشرس الذي قد يشوه صورته في عين القارئ.
لشخصية فلانتين ومكسيمليان مكانة خاصة في قلبي، كانت سذاجة فلانتين وطيبتها تذكرني بالشخصيات النسائية في روايات الأدب الروسي لا سيما روايات “دوستويفسكي”، وكانت شخصية مكسيمليان شخصية نبيل من العصور القديمة كما يجب أن تكون.
الترجمة استخدمت لغة مبهرة في البساطة لم تكن لغة متكلفة أو معقدة كما هو معتاد عند ترجمة الكلاسيكيات، لكنها في الوقت نفسه حافظت على الطابع الكلاسيكي العتيق في الرواية، وكان لها الفضل في أنني التهمت الرواية بسرعة ومتعة على الرغم من ضخامتها، هذا بالإضافة إلى تتابع الأحداث والمفاجآت في الرواية الذي لم يمهلني الفرصة للتوقف.
تحميل رواية كونت دي مونت كريستو باللغة الإنجليزية صيغة epub مجاناً
تحميل رواية Le comte de Monte-Cristo مترجمة مجاناً