وكان أول ما سمعَته أذني في هذه الدنيا:
«مسكين هذا الصبي؛ فقد أمَّه وأباه في يوم واحد!».
حملتني القابلة وغسَّلَتني ولفَّتني بالقِمَاط، وضمَّتني ضمَّة الأمِّ الأولى، وعاهدَت نفسها -وهي التي كبرَت سنُّها- أن أكون آخر مولود أُولَد على يدها. تأمَّلتني طويلًا، وكبَّرَت وأذَّنَت في أذني، ثم أخذت تمسح بيدها على ملامح وجهي ورأسي، وتقول للنسوة اللواتي توافدن على البيت المنكوب:
«لقد أخذ بياض أمِّه المشرَّب بالحمرة، وجبينها الواسع وزرقة عينيها».
أمسكَت القابلة بأصابع يدي الطويلة، وتنبَّأَت بطول قامتي الذي يشبه طول قامة أبي، ومسحَت على شعري وهي تلهج بالدعاء لأبي الفقيه العالم ذي الشعر الكستنائي المسترسل، الذي أخذ على عاتقه جمع كلمة المسلمين والإصلاح بينهم.