هذه القصة حدثت لشخص طاعن في السن، يقول الرجل العجوز قبل ثلاثين عامًا، كنت مع صديقي وقد قصدنا البر، وتأهبنا وجهزنا العُدة لذلك، وكانت وجهتنا من خيبر في المملكة العربية السعودية إلى حفر الباطن، انطلقنا وفي أثناء الطريق في الساعة الثالثة فجرًا نزلنا لاستنشاق الهواء المُنعش، وكان الجو باردًا يتغلغل في العظام فسرت بي رعشة غريبة، فسألت صاحبي: هل نحن في شهر يناير القارس؟ فأجابني صاحبي: لا نحن لسنا في توقيت يناير، ولكن ما أعرفه أننا في (مربعانية البرد)، لم أنطق بعدها بأي كلمة، ولكن مما لفت انتباهي أننا كنا في طريق زراعي ذي اتجاه واحد، يغزوه السكينة والهدوء، فقررنا النزول من السيارة وإكمال رحلة الاستجمام تلك وسط الحقول الحالكة السواد، وبينما كنا نمشي لمحنا كلبًا أسود، له عيون ناصعة البياض، وتبرق كالمصباح المشع، وكأنها مصباح وسط الظلام، والغريبة كان انعكاس ضوء عينيه على السيارة التي أغلقنا محركها منذ فترة وجيزة!،
فهرولنا بسرعة البرق للسيارة، وانطلق صاحبي بسرعة، ودخلنا السيارة، وانطلقنا بالطريق، وإذا بي أسمع صوت حوافر تدق الأرض، كان الكلب يركض خلفنا بحوافر حمار فقطع الطريق أمامنا، وصعقنا بأن الكلب يجري بلا ظل، وكان انعكاس ضوء عين الكلب منعكسًا على المرآة الداخلية بالسيارة، ويكاد الضوء يُعمي الأبصار لسطوعه الناري الغريب، وكأنه شعلة لهب حارقة، فسيطر الخوف علينا، وبدأنا نردد: «بسم الله الرحمن الرحيم»، حتى قطع الكلب الطريق بدون ظل واختفى بلمح البصر، فأدركنا بأنه من الجن، وأكملنا السفر، ومن هول ما شاهدنا صرت أخشى المشي في الطرق المظلمة الحالكة السواد ليلًا حتى يومي هذا.