ماذا صنع الله بعزيزة بركات؟ بدأت رحلة البحث بتفكير عابث تحوّل إلى لعبة شيقة، كادت أن تقلب بجد، لكنها انتهت عابثة كما بدأت. كنا وقتها نفضل قعدة البيوت على لقاءات المقاهي توفيراً لمصاريف الخُروجات، وكانت لقاءاتنا المنتظمة تعيننا على تجاوز آثار البطالة الصريحة التي ابتلينا بها في تلك الأيام من أواخر التسعينات، مبتهلين إلى الله أن يرزقنا كبعض زملائنا بنعيم البطالة المُقنّعة في أي صحيفة أو مجلة حكومية، لا يمكن أن تتعرض للغلق والمصادرة مهما زادت خسائرها وتعاظم فشلها.
جلسنا نرغي يومها كعادتنا أمام التلفزيون ذي الإيريال الهزيل، الذي لا تكفي صحته المتهالكة إلا لجلب القنوات الحكومية التعيسة، وكان يعرض في تلك الظهيرة الكئيبة فيلماً سقيماً للأستاذ فريد الأطرش الذي كان حزيناً كعادته، لكنه كان مصحوباً في نواحه الغنائي بأكثر من خمس عشرة راقصة ممشوقة القوام، يتمايلن خلف سامية جمال التي كانت ترقص بانشكاح كعادتها، وقد رسمت على وجهها الجميل ضحكتها الشهيرة، التي كنت أحب أن أتصورها كضحكة ساخرة من حزن فريد غير المبرر، ولم يكن لدي ما أؤكد به تصوري ذلك، سوى أنني كنت أجد حزن فريد الأطرش مبالغاً فيه برغم كل أسبابه، مع تقديري الكامل لفكرة شاعر الشعب ابن عروس القاضية بأنه «ما حد من الهم خالي، حتى قلوع الصواري»، لأن المجهود الذي تبذله قلوع الصواري خلال تأدية عملها يستحق شيل الهم، على عكس فريد الأطرش، لكن هذا ليس موضوعنا على أية حال.