في حساب المستقبل وغاياته فإن البعض منّا ينسون أحيانا أن كل اختيار سياسي ـ أو غير سياسي ـ هو بطبيعته «رهان» على احتمالات لها أسباب، وعلى ممكنات لها تقديرات، لأن هذه جميعا تطرح أمام أصحابها فرصا تساوي الإقدام، دون أن تكون لديهم تأكيدات تضمن النتائج.
وليس استخفافا بالتاريخ استعمال وصف «الرهان» على الخيارات السياسية وغير السياسية، لأن كل اختيار يتضمن بالقطع درجة ـ ودرجة كبيرة ـ من التعامل مع المجهول، بمعنى أن أي سياسي يجري تقديراته ويضع خططه بناء على شواهد ـ يراها بالبصيرة متاحة ـ ويستشعر بالحس قدرة شعبه وأمته على تحمل تكاليف الأمل والعمل في سبيلها ـ ويتوقع بالحساب أن بلوغها ممكن ـ كما يعتقد في نفسه بشرعية وأهلية تحمل المسئولية فيما «راهن» عليه.
هذه الصفحات ليست قصة حاكم أو تأريخاً لحكمه يكتبها قلم ، ولكنها صورة لرجل وعصر ترسمها الوقائع بفرشاة الرسم خطاً وظلاً ومساحات فراغ!
يدون الكاتب الكبير “محمد حسنين هيكل” فى هذا الكتاب الكثير مما قاله عن مبارك ، وقاله له طوال سنوات حكمه ، وذلك ضمن حوار غير مباشر فى معظمه ، لأن – كما يقول هيكل – الاتصال بينهما تلك السنوات كان فاتراً ، وفى معظم الأحسان مشدوداً ومتوتراً!!..
فهذا الكتاب “مبارك وزمانه” يجمع فيه “هيكل” سجلاً لهذا الحوار الذى تواصل ثلاثين سنة ، فهو يحوى كل ماكتبه على الصفحات أو تحدث به على الشاشات كما نُشر أو ظهر على أصله ، لا تتغير فيه جملة أو كلمة واحدة ، لأن سجل أى حوار سياسى يحتفظ بقيمته إذا حافظ على أمانته لا يمسه سن قلم ، أو لمسة لون بأثر رجعى.