“جالس في رحبة مقهى سنترال، وضعي مسترخ. غير مبال بالعابرين. هادئ. ينبغي لمن يريد أن يكلمك أن يهزك من كتفك. هكذا قال لي صديقي. نصفي الأسفل في الشمس. وضع لي كوب شاي. حذرني منه: إنه يحوم حولك. لا تهتم به. يطلب جرعة شاي حذرني منه: إنه يحوم حولك. لا تهتم به. يطلب جرعة شاي، إن لم يعطه أحد إياها فإنه يطلب النعنع ليمتصه، بعد أن يرى الكوب فارغاً. من تقصده؟ ألا تراه؟ ميمون“.
على العكس من معظم الكتاب الآخرين، تعلّم محمد شكري لغة الأشياء العارية القاسية، قبل أن يتعلم الكلمات “المعبرة“، لذلك تظل حياته اليومية هي الأساس، وتغدو الكتابة بالنسبة له إدماناً جزئياً يرفض أن يجعل منه قناعاً للتجميل أو مطية للارتقاء في السلم الاجتماعية. الخيوط التي ينسج منها شكري مجموعته القصصية “مجنون الورد” تنتهي إلى رسم “جغرافيا سرية” للمدنية ولتحت أرضها، تبدأ تناسلها جميعاً، من مناخ الهامشيين أو من عالم الأطفال. يبدأ الحكي بتلقائية توهمنا أنه يحكي واقعة من “الوقائع المختلفة“، شاهدها في الطريق أو قرأها في الصحيفة وأعاد صياغتها. لكن هذا التوهم سرعان ما يبدده سطوع كلمات مفاجئة وعبارات مكثفة محملة بالإيحاءات والدلالات، تنقلنا إلى عالم قصصي تؤطره وتوحده تلك الخيوط المتناثرة في مختلف القصص.
قوام هذا العالم عند شكري، الهامشيون أو الليليون (مقابل النهاريين كما يحلو له أن يقسم الناس).. في قصة “بشير حياً وميتاً” يجسد شكري هذه العلاقة الغريبة بين العاديين العقلاء والشواذ المجانين: بشير “الأحمق” يقلق الآخرين لكنه يسليهم لأنه ليس فاهم. يتحلقون حوله وهو ممدد في الشارع متمنين موته.. وعندما يستيقظ من غيبوبته يصابون بخيبة أمل: “سينظرون إليه كشبح وهو يسير بينهم“. وتلقائية شكري، التي يحكي بها، تلازمه وهو يسمي الأشياء المكونة للاهتمامات اليومية عند أشخاصه الهامشيين. ويكون الجنس في طليعة تلك الاهتمامات. إن الثنائية الفاصلة بين الأشياء تنعدم في سلوكاتهم، والجسد كلي، به يواجهون العالم، ومنه يستوحون ردود الفعل.. والشهوة تختلط بما هو نباتي وحيواني، وبالوجود والعدم.