قد يبدو عنوان تلك الصفحات التى يضمها هذا الكتاب أوسع من مضمونه, ذلك لأن الهدف منه لا يعدو, فى حقيقة الأمر, تقديم صورة عامة للمنطق التقليدى الذى وضع أساسا الفيلسوف اليونانى العظيم أرسطو. وقد يوحى وصف هذا المنطق بالصورية بأنه وحده, دون غيره من فروع المنطق ما يمكن أن يوصف بهذه الصفة. (بل قد يكون وصف المنطق أيا كان نوعه أو زمانه هو “صورى” بمعنى أنه لا يتعلق بأمور جزئية بعينها, بل يهدف دائما إلى وضع مبادئ عامة تنطبق على “أى” شئ, دون ذكر شئ بعينه, أو إلى وضع “الصور” العامة للتفكير, دون أن يخص أشياء جزئية بذاتها, فالعمومية المطلقة لمبادئ المنطق وقضاياه, هي التي تصبغه بصبغة الصورية التى تعد من أخص خصائصة.
لقد حاولنا أن نشير- بقدر ما تسمح به طبيعة هدفنا- إلى وجهة نظر المناطقة المحدثين فى بعض الموضوعات التى أثارها المنطق التقليدى، ولسنا بذلك نهدف إلى عرض آراء هؤلاء المناطقة بالتفصيل، وإنما نستهدف توضيح طبيعة هذه الموضوعات بوجه عام، وإظهار المواطن التى أخفق فيها المنطق التلقيدى من وجهة نظر هؤلاء المناطقة. وبعد، فالهدف من هذا الكتاب تقديم صورة لطبيعة المنطق بصفة عامة، ولوجهة النظر التقليدية على وجه الخصوص، حاولنا فيها أن نتوخى البساطة فى العرض، والإكثار من الأمثلة الموضحة بقدر الإماكن، كما حاولنا فيها ان نبتعد عن الدخول فى مناقشات طويلة لبعض المسائل. حتى لانفقد الخيط الذى نمسك به لنصل إلى هدفنا.