الكتاب هو “مقدمة في فقه اللغة العربية” للدكتور لويس عوض وهو موسوعة فكرية ولغوية ضخمة، واختراق قوي لعوامل العزلة والجمود التي تفصل بيننا وبين عهود ازدهار الفكر والحضارة العربية. ولا يملك أي دارس لحياة لويس عوض وإنتاجه الفكري والأدبي إلا أن يطيل الوقوف والتأمل أمام هذا الجهد الهائل محاولاً التعرف على مضمونه ومرماه وفهم ما ثار حوله من مطاعن واتهامات وصلت به إلى نهاية مأساوية تمثلت في مصادرة الكتب وعدم تداوله في مصر. ويقول الدكتور لويس عوض عن كتابه هذا: “هناك في الكتاب منهج، وهناك قضايا. أما المنهج فهو باختصار شديد ضرورة امتحان اللغة العربية بتطبيق كافة قوانين الفونوطيقيا (علم الصوتيات) والمورفولوجيا (علم الصرف أو علم صور الكلمات)، وقوانين الايتمولوجيا (قوانين الاشتقاق)، وقد فرغ علماء اللغة في أوروبا من كل هذه العلوم في القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين، من إرساء قواعدها، بحيث أن أي دارس للفيلولوجيا، أي فقه اللغة، يجب أن يكون مسلحاً، منذ البداية، بهذه القوانين والقواعد”.
وهنا يضيف الدكتور عوض قائلاً: “وأنا لا أطالب إلا بتطبيق هذه القوانين على اللغة العربية بعقل مفتوح حتى نستطيع أن نهتدي إلى ما بين لهجاتها من صلات، وما بين مفرداتها ومفردات اللغات الأخرى من علاقة وإلى الوشائج التي تربط النحو العربي بالنحو في مجموعات اللغات الأخرى” هو ذا هدف المؤلف، وذاك كان منهجه في كتابه هذا.
فالكتاب يمهد الطريق لوضع أسس وقواعد لدراسة فقه اللغة العربية، بما يتماشى مع المناهج العلمية الحديثة التي تربط بين هذه المناهج والانثروبولوجيا الاجتماعية، وكما يقول المؤلف، فإن الاعتماد على الفيلولوجيا والأنثروبولوجيا الطبيعية والفونوطيقا وحدها؛ غير كافٍ لوضع أسس علم تاريخ اللغات وتحديد علاقته بتاريخ الأجناس، إذ ينبغي أيضاً الاستهداء بالأثنولوجيا أو ما يفضل علماء اليوم أن يسموه بالأنثروبولوجيا الاجتماعية التي تمتد فتشمل الأديان المقارنة والأساطير المقارنة والفولكلور المقارن والنظم والعادات والتقاليد المقارنة، لأن الاستعانة بدراسة الأثنولوجيا والأنثروبولوجيا الاجتماعية يمكن أن تساعد على تحديد الحالات التي يتطابق فيها توزيع الجنس مع توزيع اللغات. وكل مسح أثنولوجي لمصر والمصريين الناطقين بالعربية يوضح بأنهم ينتمون أساساً إلى مجموعات أثنولوجية مختلفة عن المجموعات العربية بالإضافة إلى اختلافهم السلالي عن العرب.