كانت مجموعة الوفود لا تزال منغلقة فقوبلت جملته بالتحديق في وجهه من غير أن يجد رداً فأردف: نريد أن نخرج. ردّ مندوب الإعلام ضاحكاً: إلى أين يا أستاذ عمر.. إلى أي مكان فهنا الهواء ملعب… حاول المندوب الإعلامي أن يوازي بين كلماته: صنعاء ليست كالقاهرة أو بيروت، فصنعاء تنام باكراً. كل تكل الفتنة تنام مبكراً، هل يعقل أن ينام قصر غمدان والقليص، وعرش بلقيس والبردوني والمقالح وشجر القاتع وأن تأوي أسوار وقلاع الإمام للنوم بعد ثورة فتحت كل الأبواب، هل يعقل في هذه الساعة من غير أن تستذكر آلاف السنوات.. ألم تشبع من النوم الطويل في حضن الإمامية؟ الغياب لا يعني الإلغاء، نحن الذي نغيّب الأشياء ونستحضرها، نحن أقلام تكتب ما تشاء وتمحي ما تشاء، ثلاثة نساء استحضرهن دفعة واحدة:
زوجتي ووفاء وسلوى.. تحضر اثنتان منهن، وتغيب سلوى مع أنها حاضرة أمامي لكنها غائبة في حضورها.. كانت تبحث في كل سنوات زواجنا عن تلك المرأة التي أحرقت مستقبلها برجل شاركها حياتها بنصف قلب محروق، كانت تبحث عن وسيلة تبقي هذا النصف حياً معها على أقل تقدير، وفي كل مرة تكتشف أنها استلمته كائناً منتهى الصلاحية. لماذا لا أكون معك في سفراتك المتلاحقة؟ في كل سفرة أحمل فيها حقائبي هرباً من هذه الأوتاد بحثاً عن سفينتها التي شقت البحار وتركتني كراكب أخرق نسيته على إحدى الموانئ من غير أن تفطن أنها نسيت قبطانها، أسعى في كل سفرة أن أكون وحيداً علني أجدها راسية في ميناء من الموانئ التي أجوبها بحثاً عنها.. لماذا لا أكون معك في سفراتك المتلاحقة؟ أثور عليهم فتعتصم بصمتها منكسة رأسها عابثة بأناملها أي شيء يجاورها. قبل عام تماماً انفجرت براكينها،