“ما الجنون؟؟ إنه فيما يبدو حالة غامضة كالحياة والموت، تستطيع أن تعرف الكثير عنها إذا أنت نظرت إليها من الخارج، أما الباطن، أما الجوهر، فسر مغلق. وصار هنا يعرف الآن أنه نزل ضيفاً بعض الوقت بالخانكه ويذكر، الآن أيضاً، ماضي حياته كما يذكره العقلاء جميعا...
يقول نجيب محفوظ في إحدى مقابلاته بأن متعته الكبرى تلك الساعات التي كان يجلس فيها على ناصية حي من الأحياء الشعبية. وذاك حقاً ما يحس به القارئ وذلك عند مضيه في قراءة نجيب محفوظ من خلال مجموعته القصصية “همس الجنون”. لم يكن ذاك الكاتب مجرد ناقل لتلك الصور التي حرّكت مشاهد سردياته الحكائية؛ إلا أنه كان متقناً في تصويره للنفس الإنسانية على اختلاف الشخصيات التي حفلت بها قصصه. كان صادقاً إلى حد يجعل القارئ وقد انسلخ عن مكانه منتقلاً والكاتب إلى عالمه المليء بتلك الحكايات التي تمثّل بتحليلاتها وباسترسالاتها جزءاً من الواقع، بل الواقع كله.