النهر الماد من البحر المحيط
هذا تفسير للكتاب العزيز القرآن الكريم، صنفه عالم من أجلة العلماء، لئن تعدد أغراض التفاسير ومقاصدها على كثرتها، فإن هذا السفر الثمين يعني عناية خاصة بذكر القراءات المختلفة والمسائل النحوية والصرفية، مع الاهتمام بالتفسير والتأويل المستند إلى الأثر والرأي معاً. وبالعودة لمضمون هذا التفسير نجد أنه ليس إلا تلخيص للبحر المحيط واختصار له.
وقد ساق أبو حيان الأسباب التي دعته إلى وضعه بقوله: لما صنفت كتابي الكبير المسمى بالبحر المحيط في علن التفسير، عجز عن قطعه لطوله السابح وتفلت له عن اقتناصه البارح منه والسائح فأجريت منه نهراً تجري عيونه وتلتقي فيه بإبكارة عونه”، وقد رسم ملخصة هذا بـ”النهر المارد من البحر”، وطواه أحياناً على ما لم ينطو عليه البحر.
وضع أبو حيان كتابه أواخر سني حياته، وصفه في سن الثمانين-وهو قد عاش إحدى وتسعين سنة (654-745) صرح بذلك في سياق تفسير الآية 27 من سورة الجن، لكنه لم يصرح بمنهاجه الذي ارتضاه لكتابه، في المقابل اعتنى برسم معالم هذا المنهاج في مقدمة البحر، وخلاصته أنه التزم بتفسير الآيات آية آية، إلا إذ ألجأته طبيعة الآيات إلى غير ذلك، فيصل الكلام بينها بما يقتضيه مضمونها.
وكان يبدأ بالكلام على مفردات الآية التي يفسرها لفظة لفظة، فيما يحتاج إليه من اللغة والأحكام النحوية التي لتلك اللفظة، ثم يذكر سبب نزول الآية إذا كان لنزولها سبب، ومناسبتها لما قبلها وارتباطها، حاشداً فيها القراءات شاذها ومستعملها، ناقلاً أقاويل السلف والخلف في فهم معانيها، بحيث لا يغادر منها كلمة حتى يبتدي ما فيها من غوامض الإعراب ودقائق الآداب، مورداً أقاويل الفقهاء في الأحكام الشرعية مما فيه تعلق باللفظ القرآني، منوهاً بالدلائل التي في كتب الفقه، ومحيلاً على كتب النحو فيما يذكره من القواعد النحوية، ومنكباً عن الوجوه التي تنزه القرآن عنها، مبيناً أنها مما يجب أن يعدل عنه، مختتماً الكلام في الآية (أو الآيات) مما ذكروا فيها من علم البيان والبديع ملخصاً، ومتبعاً ذلك بكلام منثور يشرح به مضمون تلك الآيات على ما يختاره من تلك المعاني.