وسام الدين محمد عبده
كلما وقع في يدي كتاب سيء التأليف أو الترجمة، ألفيت نفسي أقارن بين زمان كان فيه النشر صنعة، وهذا الزمن الرديء إذا أصبح النشر (بيزنس)، وشتان ما بين الصنعة والبيزنس، فالأولى تتطلب من الصانع أن يكرس نفسه وفكره وفنه وابداعه لما يصنع، حتى إذا خرج المصنوع من بين يديه كان نادرة متفردة أو أعجوبة، هوت إليها القلوب وأخذت بها العقول، من يحظى بها تظل مصدر لسعادته وفخره ما دام؛ أما البيزنس، فهو أشبه بخط انتاج ميكانيكي، لا هم لمشغله إلا أن يرمي إلى السوق كل يوم أكبر كم ممكن من المنتجات، لا هم له إلا الربح، فيستأجر العمالة الرخيصة غير المدربة، ويختار من المواد أرخصها، فإذا اشترى أحدهم هذا المنتج وعاد به إلى بيته، سرعان ما يتلف، فيكتشف الشاري ألا فائدة مما اشترى وضاع عليه ماله. ومضى زمانًا كان فيه النشر صنعة، يقوم عليها أقوامًا وضعوا فيها من صنعتهم بعض روحهم، فظل ما اخرجته دور نشرهم إلى اليوم مطلب طلاب العلم والمتخصصين وجامعي الكتب، وكانت الكتب التي نشروها على تدني جودة طباعتها مقارنة بما تقذفه مطابع البيزنس اليوم، أعظم قيمة وأجود محتوى، سواء بالتأليف أو بالترجمة، عما يخرجه بيزنس النشر اليوم.