لا يخفى ان الشيخ محمد حسين النائيني هو أحد منظري الحركة الدستورية، وأحد قادة المواجهة ضد الاستعمار الاجنبي، اضافة الى موقفه المتشدد من الاستبداد بشتى انواعه. وقد كتب رسالته «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» في سياق شرعنة الدولة الدستورية، رغم اصراره على «غصبية السلطة» في حال غياب المعصوم او نائبه عن الحكم. وقد نجح الشيخ النائيني فعلاً في حل تلك الاشكالية المستعصية ـ اعني اشكالية تقسيم السلطة قسمة ثنائية لا ثالثة لها، فهي إما سلطة شرعية تكرر التجربة الاولى بزعامة امام معصوم او من ينوب عنه، او لا شرعية ـ عندما انتهى الى حل توفيقي استطاع ان يقيد به سلطة الحاكم المستبد وفق دستور ينتمي الى الشريعة الإسلامية، ويعترف للامة والفرد بحق المشاركة في السلطة مع اطلاق سراح مبادئ الحكم (الحرية، المساواة، والشورى) وتفعيلها داخل الوسط الاجتماعي من اجل تكوين دولة تتحرك في اطار الإسلام ولا تخرج عليه، وتحد من سلطة السلطان المطلقة.
وبهذا الكتاب تقدم سلسلة رواد الاصلاح احد المشاريع التي نهض بها رجل انهى حياته محارباً للاستعمار، مناهضاً للاستبداد، وقدم اطروحة جديدة في ارساء دعائم الحياة الدستورية، وسعى الى نقل السلطة من الاستبداد الى الدولة الدستورية. نرجو ان نكون قد وفقنا لعرض مقومات المشروع الاصلاحي للشيخ محمد حسين النائيني في جميع جوانبه، وان كانت القراءة مكثفة، لكنها تتناسب مع حجم المساحة المقررة لها.