مطلع أبريل سنة 1959 صدر كتاب (ألحان السماء) للكاتب محمود السعدني, في طبعته الأولى. كان المؤلف مقيمًا في سجن القلعة متهما بالشيوعية! وقد اختفت نسخ الكتاب, ولم يجد مؤلفه بدًا من مناشدة القراء, لينعموا عليه بإحدى النسخ, وجاءت النجدة من الشيخ أحمد الرزيقي, لترتفع اليوم بين أيدينا ألحان السماء مرة أخرى.
ويبدأ السعدني كتابه – الذي قلد فيه مبدعي فن تلاوة القرآن ألقابًا معبرة – بصوت الشعب. من بين الأصوات التي سمعناها, وما أكثرها, صوت يقف فريدًا غريبًا باهرًا, وسر غرابته أنه استمد طبيعته من جذور الأرض, إنه صوت المرحوم الشيخ محمد رفعت, صوت الشعب, فمن أصوات الشحاذين والمداحين والندابين والباعة الجائلين, استمد المرحوم الشيخ محمد رفعت صوته, فخرج مشحونًا بالأمل والألم, مرتعشًا بالخوف والقلق, عنيفا.. عنف المعارك التي خاضها الشعب, عريضًا عرض الحياة التي يتمناها, ولذلك كتب لهذا الصوت البقاء, وسيظل إحدى علامات الطريق في تاريخنا الفني الطويل.
وهو يمزج في فصول الكتاب – بحسه الساخر – بين قصص لا يعرفها سواه, وأخرى من بين التي يتداولها مجتمع التلاوة القرآنية, الذي يتحيز لشيخ دون آخر, وهو يعرض للسيرة الذاتية للقارئ, ويصعد منها إلى إبراز ملامح تفرده بين الشيوخ.