يتحدث الكاتب عبد الجبار الرفاعي في كتابه (الإيمان والتجربة الدينية) عن تجربته الدينية الخاصة التي عاشها ومازال يعيشها، يقول الرفاعي: “التجربة الدينية تعني مواجهة الله وإدراك حضوره، والمثول في حضرته، وتحسس هذا الحضور وتذوقه روحياً، هي نحو تجل وجودي للإلهي في البشري.”
والتجربة الدينية تمثل ما يسمى “البعد الأنطولوجي” في الدين، وجوهره وباطنه وداخله وروحه أيضاً، حيث أن التجربة الدينية داخلية، متأصلة في الذات، ومعجونة فيه، حيث لا يمكن الوصول إليها بالأشياء الحسيّة، وفي الغالب لا تدل عليها الظواهر التدين الخارجية، أو قد تظهر عكسها في بعض الأحيان، مثلاً: معظم رجال الدين الذين يمارسون الطقوس والعادات والشعائر الدينية بطريقة خاطئة، ربما يؤشر خطأ ما يمارسونه إلى عمق تجاربهم الدينية، رغم أنهم من الداخل بعيدون عن الله، وبواطنهم مظلمة. يستخلص كل فرد فهمه من تلقاء نفسه وحضوره الخاص وأفق انتظاره، حيث أن الفهم يتوسع دائماً بمجال الذات وخبرتها، وبطبيعة الحال التجربة الدينية لا تفهم إلا في مجال التجربة الدينية، فما لم نتحقق بهذه التجربة ليس بوسعنا تقديم فهم واضح لها، كمن لا يفهم الحب و يدركه إلا من يجربه، ولا يفهم السعادة إلا من يتذوق طعمها، ولا يفهم الحزن إلا من يتجرعه.
يتحدث الرفاعي عن ذلك كله انطلاقاً من تجربته الروحية، حيث أن الإيمان هوالإيمان، حيث من خلال تجربته الخاصة، يقول أنه لم يعثر على أمان خارج نطاق الإيمان، حيث أن الإيمان الذي يتذوقه هو إيمان أنطولوجي متوحد بكينونته، حيث أن العلاقة بالله فيه أفقية لا عامودية، هي علاقة جوهرها الحب والحرية، لا تتضمن انتهاكاً لكرامته أو اضطهاد، حيث أن حقيقة الحب في ضميره هي الصلة بالحق، ويوصله بالحق، فالحبيب هو من يذكره بالله، فلا ينير الذات إلا ذكر الله، حيث أن الذات لا تهدئ إلا حين تصبح سكناً لله، حيث أن القلب العاشق لله هو سكن الله.