يمسكك غوركي من يدك، ويسير بك تحت أشجار أوكوروف؛ تسمع صوت جرس الكاتدرائية، مختلطاً بأصوات العمال وهم يطرقون الحديد، وبأصوات النساء وهن يغنين بغنج، ومن السماء تنزل قطرات المطر وتبلل جسدك، فترتعش. ومن ثم يدخلك غوركي إلى بيت كوجيمايكين، ويقف جانباً لترى المشهد بعينيك: يجلس كوجيمايكين على سريره، ويكتب بخط واضح وكبير: “هذه قصة حياة ماتفي كوجيمايكين من بلدة أوكوروف”.
ما كتبه كوجيمايكين يجعلك تصاب بالحزن، أو بشيء أشد من الحزن، وتصرخ برعب: كم هي بائسة هذه الـ “روسيا”.
يا لهذه الملحمة الإنسانية!
يولد كوجيمايكين في أحضان البرجوازية الصغيرة، ولكنه – بخلاف البرجوازيين – كان يمتلك قلباً نابضاً بالحياة، قلب أتلفته العفونة الروسية سريعاً. لقد وقع في الحب مرتين، وعاين الطبقات الاجتماعية، وعرف الظلم الواقع عليها، فيتحول إلى نصير للمضطهدين، ولكنه يظل برجوازياً حتى مماته.
يرسم غوركي بذكاء عالٍ الحاجة إلى التنوير والعقل في عصر القيصرية. حتى إنه يتنبأ بانتصار الجيل الجديد المحمل بأفكاره الثورية الخلابة. المهم في هذه الملحمة، أنها تفيض بالقصص الجميلة والوصف الرائع للطبيعة. إنها حكايا الناس العاديين والمثقفين والمنفيين والمهاجرين والخدم والعمال. حكايا يدونها كوجيمايكين، وهو يجلس في بيته في بلدة أوكوروف، حيث ولد وعايش أهلها على مدى خمسين عاماً.
قصة حياة ماتفي كوجيمايكين، هي قصة روسيا القيصرية، وقصة غوركي نفسه.
إنها الرواية الأجمل لغوركي والأكثر حيوية، والتي توضع بجدارة بين الروايات الكلاسيكية الخالدة.