“عندما كان في الرق حلم بالحرية، أصبح الآن في أقصى درجاتها. لا ولد ولا عائلة ولا أهل ولا شيء يمكن أن يحد من حريته أو يقلصها. يمتلك قوة على جسده وعلى أخلاقه ويقرر مصيره دقيقة بعد دقيقة. ليس هنالك أحد يخاف عليه أو يخجل منه. ترى أي قدر قذف به في هذه الحرية الموحشة؟ كافأه الله بحرية أشد قسوة من العبودية. يكفيه منها الشعوب بالوحدة. ما كان على معدية أنم تورطه في حبها ثم تختفي في المجهول. كان يجب أن تعرف أنها لم تكن حبيبة قلبه ومنى حياته. كانت هي الحياة بالنسبة غليه. كانت نظامه الأخلاقي وقيده الجميل. إنها اللحظة الوحيدة التي عاشها كإنسان. منذ أن ضمها إلى صدره بدأت تتقلص علاقاته الآثمة. دخل في حياته شيء يثير الخشية والخوف والخجل“
بأسلوب أدبي سلس يتماشى وما تتطلبه الرواية السردية من خصائص النص، وبحبكة كتابية مدروسة، قدّم الكاتب السعودي هذه الرواية التي أرادها جريئة وكاشفة لكل ما يتحكم بالمجتمع من رغبات دنيوية لا تجد لها متنفساً طبيعياً للإكتفاء، فتظهر بشكلها المرضي ونتائجها المأساوية.
دون رمزية ودون لف ودوران، وضع الكاتب مبضعه ليشّرح مظاهر التفسّخ الاجتماعي والانقياد السهل لطريقة حياة لا تغني ولا تساعد على تأهيل الإنسان للارتفاع في كينونة وجوده وتعاطيه، بل على العكس تدفعه إلى اعتماد الانحراف في سلوكه، وتنحدر به إلى أعماق ممارسة الرذيلة بكل أشكالها من الجنس غير المشروع، إلى الإدمان على الكحول، إلى السرقة والنصب والاحتيال، والتي ستصل به إلى حالات تشّده أكثر فأكثر إلى هوة سحيقة وسوداء لا مخرج منها، تفوح منها رائحة البؤس الشديد، حيث يتحول أفرادها إلى أشباه بشر مشّوهين ومحرومين تفتك بهم الأمراض النفسية، والتي تحّول بعضهم إلى مجرمين وقتلة دائمين وموتورين، أو يعانون من الأمراض الجسدية ويصابون بأمراض جنسية خطرة، وإما أن ينفّذ بهم المجتمع نفسه الذي أوصلهم إلى هذه الحالة، حكم الإعدام.
انتقاد حاد لكل مظاهر الحياة الشاذة ورغبة عميقة في اللجوء إلى التطرف، لإبراز الصورة المخيفة التي لا يعود بالإمكان إخفائها، علّها تكون عنصراً مساعداً في البحث عن المشاكل الفعلية والعميقة التي أدت إليها، والتي تحّول الإنسان بجميع حالاته وأفراده إلى مصائر مخيفة، وتشوّه صورته بحيث لا تعود تشبه بأي حال من الأحوال الصورة الإنسانية التي يريدها لنفسه.
يتنقل الكاتب بين المواضيع الذي أرادها لهذا الهدف، من الاغتصاب، إلى الإفراط بالإهتمام بالجنس، إلى الدعارة والإدمان على الخمر إلى القتل، ويدخل أوساطا اجتماعية أراد كشف أسرارها وإزاحة الستار عن كواليسها.
رواية جريئة من كاتب جريء، “عرف عنه تناوله للمواضيع الساخنة بعيداً عن التعصب“، يبحث بكل حرية عن الحقيقة، ويقدم بحثه الروائي للقارئ بأسلوبه الخاص المميز.