ملحمة جلجامش هي درة الأدب الرافديني القديم ، أول أدب مكتوب في تاريخ الثقافة الإنسانية ، و قد لقيت منذ اكتشافها في أنقاض العاصمة الآشورية نينوى اهتماماً عالمياً واسعاً ، فترجمت إلى اللغات الأوروبية و قدمت على شكل عروض مسرحية و عروض رقص تعبيري .
أما في الثقافة العربية فقد رأى الجمهور السوري عرضين مسرحيين بمبادرة فرنسية لا عربية ، فقد قدمها المخرج الفرنسي المعروف باسكال رامبيير اعتماداً على نصي الأكاديمي في قلعة دمشق عام ١٩٩٩ في عرض نال إعجاب المسرحيين السوريين ، و في عام ٢٠٠٠ قام المخرج نفسه بتقديمها في عرض في الهواء الطلق ضمن فعاليات مهرجان أفينيون المسرحي العالمي ، و ذلك بثلاث لغات هي العربية بترجمتي ، والفرنسية ، والانكليزية ، و بثلاث مجموعات من الممثليين كلٌ ينطق بلغته مع ترجمةٍ على شاشات عرضٍ عملاقة .
وفي عام ٢٠٠٦ قامت مخرجة مسرح الشمس الباريسي كاثرين شاوب بتقديم الملحمة اعتماداً على نصي الأكاديمي، وذلك على خشبة المسرح العمالي بدمشق في عرض مميز استمر عدة أيام . وهذا ما جعلني أكثر اقتناعاً بضرورة وجود إعداد درامي للملحمة يوضع تحت تصرف المسرحيين العرب .
وفي إعدادي الدرامي هذا قدمت النص الآكادي كما هو ، و بجميع أفكاره و شخصياته و تتابع أحداثه ، من خلال رؤية إخراجية تمزج بين التراجيديا الإغريقية و العرض المسرحي الحديث ، مستخدماً لغة ذات جرس شعري و إيقاع موسيقي يستحضر الجو الشعري الآكادي ، كما أضفت عدداً من المشاهد غير الموجودة في النص ، وذلك لضرورات فنية و لتوسيع الفضاء المحيط بالحدث من جهة ثانية .