يعتبر المسيري أن الحلولية مدخل تحليلي مهم لفهم الفلسفات والعقائد التي تهمّش الفارق بين المتجاوز والغيبي من جهة والتجسّد والمادة من جهة أخرى، وهي عملية تحوّل تدريجي تبلغ مداها بـ “وحدة الوجود” التي تقوم بتصفية الثنائية المميزة للوجود الإنساني، وتلغي المسافة بين الخالق والمخلوق، وتختزل الإنسان في بُعد واحد. وهو المدخل الذي اعتمد عليه المسيري في نقد الحداثة الغربية التي أعلنت “موت الإله”، وادّعت أنها تتمركز حول الإنسان فيما هي في حقيقتها تتمركز حول المادة – الطبيعة، وهو ما يُمثّل التمظهر الأبرز للعلمانية الشاملة بما تحمله من فصل لكل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الدولة وعن حياة الإنسان في جانبيها العام والخاص، ويحوّله إلى مادة استعمالية يتمّ توظيفها لصالح الأقوى.
في هذا الكتاب، بذل المسيري جهداً كبيراً في رصد تطور الفكر الإنساني، ووجد صِيَغاً عديدةً مثّلت حالة التماهي بين الإنسان والإله وبين الإنسان والمادة، من الهرمسية القديمة، مروراً بالتصوُّف الغنوصي في التراث الإسلامي، وحتى التجلّيات الحلولية في الحداثة الغربية.