انقسم العقل العربي إزاء الحداثة الغربية قسمين مختلفين: الأول، ويمثله العقل التراثي الذي لم يطلع على تفاصيل هذه الحداثة، حيث تنكر لها باعتبارها علمانية مفروغة من كل القيم الدينية. والقسم الثاني، هم في الغالب المفكرين الذين تكونوا وفق المناهج الجديدة، حيث قاموا تقريض الحداثة ومهدوا لإدخال العقل الإسلامي في قيمها ومنجزاتها.
نحن في هذا العمل أمام مفكر، وهو طه عبد الرحمن، تكون في الغرب لكنه لم ينخرط في النشاط الذي يؤله العقل الحداثي، بل أنه مارس مهمة حداثية تمثلت في نقد قيم الحداثة ذاتها.
ويكمن هدف هذه الدراسة في الكشف عن تفاصيل نقد الحداثة عنده، في آخر مصنف له لسنة 2019، والذي أعاد نشره، كفصل مستقل، في مؤلفه الأخير لسنة 2021 تحت عنوان “المفاهيم الأخلاقية”. النتيجة التي حصلناها تتمثل في أن مسار فلسفة طه، الذي يعمق عيوب الحداثة الغربية أكثر فأكثر، فعل حداثي بامتياز. لأن الحداثة لا تتمثل في تبني المعتقدات الدينية أو العلمانية بصورة سلبية، بل أنها فعل مقاومة.
وبالتالي فإن مقاومة العقل الحداثي الكلاسيكي الغربي هو الفعل الحداثي الحقيقي الذي يجب أن يمارسه العقل الغربي والعربي على السواء