لا توجد في مصر إحصائيات دقيقة تبين مدى انتشار الأمراض النفسية والعقلية بين المصريين، غير أن هناك كثيرا من الشواهد التي تدل على انتشار هذه الأمراض في مصر بكثرة قد لا يفطن إليها إلا الأخصائيون من الأطباء النفسيين بل علماء النفس.
وتدل الإحصائيات في البلدان الغربية التي انتشرت فيها ثقافة الصحة النفسية، والتي تقدمت فيها وسائل العلاج النفسي على كثرة انتشار الأمراض النفسية والعقلية بين الناس. فتدل الإحصائيات في أمريكا مثلا على أن حوالي نصف مليون من الأمريكيين يعالجون في المستشفيات من هذه الأمراض ، كما تقبل المستشفيات الأمريكية كل عام حوالي 150000 حالة جديدة منها. وتدل بعض الإحصائيات الأخرى على أن حوالي 10 % من الأمريكيين معرضون للإصابة بهذه الأمراض في فترة ما من حياتهم.
وعلى العموم، فما لا شك فيه أن الأمراض النفسية والعقلية كثيرة الإنتشار بين الناس، غير أن الناس عادة لا يفطنون إلى ذلك. فليست هذه الأمراض مقصورة فقط، كما يظن بعض الناس، على حالات الجنون الواضحة التي لا تكاد تخفى على أحد، بل إنها تشمل أيضا كثيرا من أنواع الاضطراب والانحراف والشذوذ التي نشاهدها كثيرا بين أصدقائنا وبين من نختلط بهم من الناس. ومن مظاهر الاضطرابات النفسية الشائعة الشعور بالنقص وفقدان الثقة بالنفس، وكثرة التردد، والخوف من الإقدام وتحمل المسؤولية، و الوساوس والأوهام والمخاوف المتعددة الأنواع التي تستولي على الإنسان، وتستهلك طاقته العقلية، وتضعف من مقدرته على العمل المنتج. ويرجع كثير من حالات الإجرام والإدمان على الخمور والمخدرات إلى اضطرابات نفسية. بل إن كثيرا من الأمراض البدنية مثل الصداع وخفقان القلب والقرحة المعدية والشلل وغير ذلك من الاضطرابات الفسيولوجية والحسية والحركية إنما هي أعراض لاضطرابات نفسية.
و“العلاج النفسي” اصطلاح عام يطلق على كثير من الوسائل النفسية “السيكولوجية” التي تستخدم في علاج الأمراض النفسية والعقلية. وقد يستخدم هذا الاصطلاح أحيانا بمعنى أعم فيطلق على جميع الوسائل العلاجية التي تستخدم في علاج هذه الاضطرابات. وبهذا المعنى العام يشمل العلاج النفسي العلاج بالصدمات الكهربائية والعقاقير والجراحة والحمامات وغير ذلك من الوسائل العلاجية الطبية والطبيعية. ونحن نفضل التعريف الأول المحدد، وهو التعريف الذي يطلق العلاج النفسي على العلاج بالوسائل النفسية فقط.
و التحليل النفسي طريقة خاصة للعلاج النفسي ظهرت لأول مرة على يد سيجومند فرويد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ثم ما لبثت هذه الطريقة الجديدة في العلاج أن اكتسبت شهرة عظيمة وانتشرت تعاليمها في جميع أنحاء العالم.
ولنشوء التحليل النفسي قصة طويلة طريفة. ويحسن بنا قبل أن
نروي هده القصة أن نرجع إلى الوراء قليلا لنستعرض تاريخ علاج الأمراض النفسية والعقلية في العصور السابقة لعصر فرويد حتى نستطيع أن نتبين الظروف والعوامل المختلفة التي مهدت لنشوء التحليل النفسي.
بدأ فرويد تأليف هذا الكتاب عام 1938 قبل وفاته بعام واحد ولم يتمكن من الإنتهاء منه, ومع ذلك ففي هذا الكتاب الجامع يرسم فرويد صورة أخيرة لما سيقوم عليه التحليل النفسي من مباديء نظرية أساسية وما يتأدى إليه – على هدى هذه المباديء – من مكتشفات أحدثت في العلوم الإنسانية المعاصرة ثورة كبرى. ويبين هذا الكتاب الصلة الوثيقة المتبادلة بين النظر والعمل, ويشير إلى إمكانيات علاجية لم تتحقق إلا أخيرا من حيث الإستعانة بالتحليل النفسي في علاج الأمراض العقلية.
تحميل كتاب الموجز في التحليل النفسي باللغة الإنجليزية صيغة epub مجاناً
تحميل كتاب Abriß der Psychoanalyse مترجم مجاناً