فيكاد يجمع المنصفون من العلماء والدارسين المطلعين على تطور أوضاع المسلمين في العصور الأخيرة، أن الأستاذ الجليل «بديع الزمان سعيد النُّورْسي» كان شخصية إسلامية كبيرة، صادق الإيمان، عظيم الإخلاص، عزيز النفس، عارفاً بحقائق التوحيد، نابغة من نوابغ الزمان، غزير العلم، نافذ الفكر، داعية ثبتاً إلى الله تعالى على بصيرة، حَمل همومَ المسلمين منذ شبابه، وقضى حياته في الجهاد الدائب في سبيل توضيح عقيدة الإسلام وبيان عِلل أحكامه، ودحضِ الأفكار المنحرفة والفلسفات الجاحدة المناقضة له، والتخطيط العملي لأجل إنقاذ المسلمين من الغزو الفكري الجارف الذي تعرضوا له منذ أوائل القرن الرابع عشر الهجري، بل قبلَه.
وهذا الكتاب الذي بين يديك -قارئي العزيز- جليلُ القدر، رصينُ السبك، قوي الحُجة، يمثل أجلى تمثيل القُدرة السَرَيانية الفائقة للأستاذ «النورسي»، وراءَ المعاني الدقيقة في كتاباته كلها، لاسيما العلمية المختصة منها. ولقد كانت تلك موهبة عبقرية، وهَبه الله تعالى إياها، لينظر في كتاب الله تعالى من خلالها ببصيرة نافذة، ومعرفة كلامية وبلاغية عميقة، وذوق ذاتي رفيع، ومنهج عقلي سديد، يلتمس الكشفَ عن الحقيقة، ويبغي إيصال الإنسان إلى اقتناع كامل بكون هذا القرآن معجزاً، بحيث يجد العقلاء والفصحاء في أنفسهم ضرورةَ الإيمان والاعتراف بأنه الكتاب الحق الذي نزل من عند علام الغيوب على رسوله الأكرم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، كي يضع الإنسانية على طريق دعوة الحق، وينور بصيرتها بنور الإيمان، وإدراك اليقين للوصول إلى العبودية الخالصة لرب العالمين.