يبقى المعرّي قمة شامخة في تاريخ الفكر العربي، هو كان ولا يزال مثار اهتمام النقاد والباحثين، ويكاد يكون نسيج وحده في نمط حياته وسعة علمه، ورحابة آفاقه وقدرته على تصوير واقع مجتمعه وعصره، في سائر اتجاهاته الاجتماعية والسياسية والخلقية والثقافية ووقائعه التاريخية ومعتقداته الدينية.
تتوزع آثار أبي العلاء بين منثور ومنظوم. ومن أهمها نثراً رسائله وكتابه الفصول والغايات، وقمتها رسالة الغفران التي كانت أحد الينابيع الهامة التي ألهمت دانتي الإيطالي الكوميديا الإلهية، كما يذهب إلى ذلك كثير من الباحثين. وتقوم شهرته في الشعر على ديوان شبابه “”سقط الزند”” الذي يمور بالعديد من خواطره ووجدانياته نسباً وفخراً ورثاءً. ولئن كانت اللزوميات أو “”لزوم ما يلزم”” التي يضمها هذا الديوان قد اقتطعت نصف قرن من حياة أبي العلاء وشكلت ذروة في صنعته الشعرية وبحراً زاخراً بنظرياته ومعتقداته التي تدور حول تمجيد العقل وتتناول فيما-تتناول الماورائيات وموقعه من الأديان وحملته على المواهب والنحل، ونقمته على الفساد الاجتماعي والسياسي، فضلاً عن معتقده الأخلاقي-فإن أكثر الدارسين أخذوا عليه إفراطه في سلبيته تجاه الحياة ونزعته التشاؤمية وتزمته الخلقي وتناقضه في معتقداته بعامة، وفي مسائل الدين والفلسفة بخاصة. وأياً كان التباين بين دارسيه فإن لزوميات المعري انعكاس أمين لشخصية فيلسوف المعرة-في زهدها ومثاليتها وروعها-وتصوير صادق للمظالم التي تلف عالمنا الدنيوي-وإنك لواجد صدى ذلك في الكثير من الشواهد التي يضمها هذا الديوان والتي تؤكد على فساد الطبيعة الإنسانية وتندد بالاستبداد السياسي والتباين في مجتمعات الناس.