في أوائل سنة 2000م ثارت ضجة كبرى في مصر والعالم العربي حول رواية ” وليمة لأعشاب البحر ” التي كتبها الروائي السوري ” حيدر حيدر ” ، وبعدها بشهور قليلة ثارت ضجة أخرى حول رواية” ذاكرة الجسد ” للكاتبة الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي ” ، وكانت رواية ” حيدر ” متهمة بالخروج على الدين ، أما رواية ذاكرة الجسد فكانت متهمة بأنها رواية تحمل اسم أحلام ، ولكنها ليست لها ، وأن كاتبها الحقيقي هو الشاعر الكبير نزار قباني ، وفي قول آخر : إنها لسعدي يوسف الشاعر العراقي المعروف .
وفي هذا الكتاب الذي تقدمه ” دار الهلال ” دراسة موضوعية صريحة لما دار حول الروايتين من اتهامات . ودراسة حول أثر الحزبية السياسية في الأدب وأزمة النقد ؛ فقد كانت ” الحزبية السياسية ” سبباً لاشتعال كثير من القضايا حول الروايتين ، وخاصة بالنسبة للرواية الأولى وهي رواية “ الوليمة ” .
وقد استبعد الكاتب تماماً أن يكون نزار قباني هو كاتب رواية ” ذاكرة الجسد ” ، وكل ما هنالك أن الرواية متأثرة أشد التأثير بأسلوب نزار قباني . أما علاقة الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف بهذه الرواية فقد وقف أمامها المؤلف حائراً لتناقض كلام ” سعدي يوسف ” حول هذه القضية ، وقد اعتبر المؤلف موقفه من هذه الرواية ظالماً لها ولكاتبها على أنه للإنصاف والأمانة- كما يقول – لا يظن أن أحلام مستغانمي يمكن أن تتحرر تماماً من بعض الشبهات الأدبية المثارة حولها .
أما بالنسبة لرواية حيدر حيدر فقد خلص المؤلف إلى أن رواية ” الوليمة ” ليس فيها موقف ضد الدين ، ولكن فيها ” فلتان” من المؤلف جعلها تخرج على الذوق ، وتجرح المشاعر دون عائد فني أو فكري حقيقي ، وكأن الخروج على الذوق وجرح المشاعر ليس موقفاً ضد الدين عند المؤلف !! في حين أنه يلوم حيدر حيدر أشد اللوم على تشويهه لصورة المصريين ومخالفته للموضوعية الفنية تجاههم كما أنه يقول صفحة (133) الفن حر ، والنقد حر ، … والقيود شديدة الضرر بهما ، والحزبية السياسية والفكرية من أكبر القيود التي يتحول معها الفن والنقد إلى منشورات وبيانات إعلامية .
وهو يرى أن الروايتين ( موضوع الكتاب ) متشابهتان إلى حد التطابق ، وهو اكتشاف مثير على حد تعبير يوسف العقيد في قراءته لكتاب رجاء النقاش المنشورة في صحيفة الحياة بتاريخ 9/12/1421هـ صفحة 16 ؛ ويقول في أثناء موازنته : ( إن ذاكرة الجسد رواية نظيفة من هذه البذاءة والتي لجأ إليها حيدر حيدر دون مبرر أدبي أو فكري !! والذين يدافعون عن هذا اللون من البذاءة باسم الواقعية واسم الحرية المطلقة مخطئون ، فحرية الفنان ليست مطلقة ؛ لأن الحرية المطلقة هي فوضى مطلقة ، وجمهور الفنان هو مجتمعه ، ولابد أن يحسب الفنان حساب هذا المجتمع ما دام يريد أن يؤثر فيه ) .
إذن ثمة قيود على حرية الفنان والأديب ، وهذه القيود يجوز أن تكون قومية ، ويجوز أن تكون غير ذلك حتى أن تكون مزاجية ، لكن لا يجوز – عند المؤلف – أن تكون دينية ، وكأنه لا يقر أن الدين منهج كامل للحياة يدخل في جميع شؤونها دقيقها وجليلها ؟! كما لم يتبين ذلك من خلال دراسته النقدية والفكرية هذه .