من يخوض في عوالم الياباني هاروكي موراكامي يعلم مسبقا أنه أمام عمل ليس الغرض منه استقاء معنى ما، بل بالأحرى خوض تجربة قرائية مختلفة حيث يصبح المنطق خارج الحدود. و ما يميزه كمؤلف عن بقية كتاب بلده هو دمجه للثقافتين الشرقية و الغربية في مؤلفاته دون إهمال توظيف الطبيعة و رمزيتها كما نرى هنا مع طائر الزنبرك.
..
نتتبع تورو أوكادا في بحثه عن قطه المفقود قبل أن نجد ذواتنا تتبع بدورها الثيمات التي يطرحها هذا العمل القيم، فتارة نبحث عن معنى الهوية و كيف تكون رؤية ذواتنا المتعددة في الآخرين، و مدى تقبلنا لظهور البقعة العمياء. و تارة أخرى عن مدى اختلاف أنواع الألم في تجربة الفرد و فتحها لباب الروح.
كما ترسم الرواية بحرفية عالية التداخل الدقيق بين الظاهر والباطن، و انتظام دوران الزنبرك و التشظي، و النزاهة و الزيف.
و هي رغم سرياليتها لا تغفل تناولها لثيمة الواقع حيث الزمكان يكون في عوالم متوازية ما بين عالمي الوعي و اللاوعي، و ما بين ماضي الحرب العالمية الثانية و حاضر أحداث الشخصيات حتى تصير الحدود مبهمة بين الواقع و الحلم، فيمحو عنا مؤلفها وهم البدايات و تسلسل الأحداث. كذلك نرى كيف تتوازى قيمة العزلة المتمثلة في الشخصية الوجودية عند موراكامي و قيمة حب الآخرين و تقبلهم على اختلافهم.
تتمحور الرواية فلسفيا في فلك مفردة يابانية حيث يدرك واكادا الخلل في جوهرنا الخفي (Nanika) من خلال العلامة الزرقاء على خده، لتوحي لنا هذه الكلمة أن المشاكل في صميمها داخلية الأصل، مذكرة إيانا على لسان السيد هوندا بضرورة اتخاذ فلسفة السكون الشرقية (Stillness) حين ينعدم السريان في حياتنا لأن مقاومة العائق بالقوة لا يأتي بغير الجفاف، و في هذا عزاء كبير، فالزمن على طوله قد لا يشفينا من ذكرى شخص تقف حجرا عائقا أمام تيار الحياة.