تتعدد أطياف الشعر عند الماغوط، تورف عرائشه على كل الجدران، وكمهندس بارع ما يني بوسع فتحة الفرجار على مدار واسع يشمل العالم كله والإنسان في كل مكان باعتباره آخر نتاجات الكون وأقدس من أن يداس.
وكبناء مرهف خبير يضع الطوبة على الأخرى لينصبه في عقد القبة الكونية، ولسان حاله يقول: لتسقط كل الحضارات أمام طفل يفغر فاهه لقطرة من الحليب. يحاول الماغوط بكل ما أوتي من قوة الإحساس، وصدق المشاعر، وعمق المعاناة أن يجعل من الأدب شعاعاً قوياً يسلطه على الحياة من أجل اجتثاث المأساة من جذورها، واستئصال آفات الزمن الردئ.
من غربته، من ثنايا وحدته، من كوابيسه المرعبة، والأشباح التي تقتحم لحظات رقاده القليلة، تطل عليك قصيدة الماغوط آخاذة جذابة، لا تتمالك نفسك من أن تنهال عليها كما ينهال الجائع البائس على الرغيف، والضال التائه على النجم الدليل تقرأها متسارعاً كما يتسارع نبض العدائين، متسائلاً: أمام أية حقيقة ستضعنا سخرية الماغوط، وماذا هناك أيضاً من المفقودات الثمينة التي دفعت به لأن يقف في صحن محكمة التاريخ يهز ضميره، ويمسك بتلابيبه صائحاً: أوجدها.