الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى دينه، واتباع هداه، وتحكيم منهجه في الأرض، وأفراده، تعالى بالعبادة والاستعانة والطاعة والبراءة من كل الطواغيت التي تطاع من دون الله، وإحقاق ما أحق الله، وإبطال ما أبطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله. وللداعي كبير الأثر في نفوس الذين يدعوهم، فهو العامل الفذ، الذي ينفرد بالتأثير والتوجيه في عملية الدعوة، إذ لا يشاركه في ذلك منهج موضوع، ولا كتاب مقرر، ولا جو ولا إدارة ولا توجيه فالداعية وحده هو في غالب الأمر، الإدارة والتوجيه والمنهج والكتاب والمعلم وعليه وحده يقع عبء هذا كله. وهذا يجعل العناية بتكوين الدعاة، وإعدادهم الإعداد المتكامل، أمراً بالغ الأهمية، وإلا أصيبت كل مشروعات الدعوة بالجنبة والأخفاق، في الداخل والخارج، لأن شرطها الأول لم يتحقق وهو الداعية المهيأ لحمل الرسالة.
ومن هنا كان لا بد للداعية الذي يريد أن ينتصر في معركته على الجهل والهوى والتسلط والفساد، أن يتسلح بأسلحة شتى لازمة له في الدفاع والهجوم. وأول هذه الأسلحة، ولا ريب، سلاح الإيمان. وثانيها هو الأخلاق وثالثها هو العلم أو الثقافة، فهذه هي العدة الفكرية للداعية بجوار الودة الروحية والأخلاقية، والدعوة عطاء وإنفاق، ومن لم يكن عنده علم ولا ثقافة كيف يعطي غيره. والحديث في هذا البحث يدور عن هذا الجانب خاصة: الجانب الفكري أو الثقافي المطلوب للداعية المسلم كيف يعد الداعية نفسه. أو كيف يمكن إعداده الإعداد الثقافي المنشود؟ وبعبارة أخرى: ما الثقافة اللازمة للداعية إذا كان الهدف إنشاء مدرسة للدعاة، أو كلية للدعوة، أو حتى أراد أحدنا أن يكون من نفسه داعية قادراً على التوجيه والتأثير ان الجواب عن هذا السؤال هو موضوع هذا البحث الذي أعدّه للدكتور الشيخ يوسف القرضاوي في الأصل للمؤتمر العالمي الأول، لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة، الذي دعت إليه الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في صفر 1367.