يوماً بعد يوم تتعمق أزمة الحضارة الغربية المعاصرة، وينقسم المفكرون حيالها. فالحضارة التي وفرت للإنسان بعضاً من اللذة المادية لم توفر له السعادة، وهي وأنها منحته الحماية من عوامل البيئة، أفقدته الأمان الداخلي الذي هو بأنس الحاجة إليه، ويبدو أن هذه الحضارة سائرة نحو نهايتها بفعل عوامل وأسباب تخرج عن إمكانية السيطرة عليها. وإنسان هذه الحضارة الذي أجبر على أن يتحمل كل إفرازاتها يحاول إيجاد البديل عن انسحاقه في وسائل اللهو والانغماس في اللذات الجسدية قدر الإمكان. ولمتابعة صيرورة تلك الأزمة لا بد من فهم مظاهرها وأسبابها لمعرفة كيفية تشكلها.
والبحوث التي تتناول ذلك أكثر من أن تحصى غير أن ما يميز مسعى مؤلف هذا الكتاب هو رغبته في الخليل العميق لتلك الأزمة التي تمسك بخناق البشرية في محاولة للبحث عن حل في داخل الإطار الذي تبرز فيه الأزمة، فهي في نهاية أمرها أزمة نمط حضاري. كما يعرض للقراءات النقدية المعقمة للمأزق الحضاري الذي يعيشه الغرب حيث يقف عند فكرة الثورة على الذات.
حيث يختم على العالم الغربي إحساس عميق بالقلق تجاه المستقبل إذ يخشى من ظهور الإسلام الأصولي كبديل لقوة الغرب في القرن الواحد والعشرين. إن حضارة البعد الواحد الغربية وصلت إلى طريق مسدود، وسيكون الحل في الدين الذي سيقود إلى إنقاذ البشرية مما تردي منه وبحسب الكاتب فإن ما تعانيه البشرية اليوم ليس أزمة حضارة ولكن حضارة أزمة، وإن حضارة العصر تستعد للرحيل مما يستدعي أن تحل محلها حضارة أخرى.